كيف يقلل آستعمال الهواتف من معدل ذكاء الأطفال ؟
هذه دراسة غير مسبوقة ومثيرة للقلق ظهرت في النشرة الأسبوعية الوبائية (BEH) يوم الثلاثاء 14 يناير: كشف باحثون من جامعة رين أن الأطفال يتعرضون للشاشات في الصباح قبل المدرسة ، والذين نادرًا ما يناقشون أو لا يتحدثون أبدًا عن المحتوى. مما يرونه مع والديهم ، أكثر عرضة بنحو ستة أضعاف للإصابة باضطرابات لغوية أولية من غيرهم. هناك مشكلة تتعلق بالصحة العامة ، كما يؤكد الفريق ، والتي لا تخضع اليوم لأي إجماع دولي.
التعرض لشاشات الأجهزة : تجارب و نتائج مُقلقة !
هل التعرض للشاشات هو سبب ظهور إضطرابات اللغة الأولية عند الأطفال الصغار ؟
هذا هو السؤال الذي طرحته الدكتورة “مانون كوليت”، طبيبة و بروفيسورة بكلية الطب بجامعة “رين” بفرنسا.
و عملت الدكتورة “مانون” مع مجموعة من 276 طفل تتراوح أعمارهم بين 3 و 6 سنوات ونصف ، لفهم إلى أي مدى يُؤثر التعرض المبكر للشاشات على نموهم النفسي و العقلي.
و النتائج كانت مُرعبة.
فقد أظهرت الدراسة أنه بغض النظر عن مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام شاشات التابلت، الكمبيوتر أو الهاتف ، فإن الأطفال أكثر عرضة للإصابة بما يُعرف بإضطرابات اللغة الأولية.
و هذا الإضطراب يؤخر النمو العصبي الطبيعي المسؤول عن الفهم و التعبير الشفهي و المكتوب. و يُعاني الأطفال المصابون به من صُعوبات في الكلام و عُسر في الفهم و مشاكل في التعبير و التركيز.
كما أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين يمضون أوقاتا طويلة أمام الشاشات و لا يُكثرون الحديث و التفاعل مع محيطهم، فهؤلاء معرضون بست مرات أكثر للإصابة بآضطرابات اللغة الأولية.
ماذا نعرف عن تأثير الشاشات على أدمغة الأطفال؟
“ميشيل ديمورجي”، الباحث الفرنسي في علم الأعصاب الإدراكي، سبق و أن دق ناقوس الخطر حول هذه الظاهرة منذ مدة.
و يقول الدكتور “ديمورجي” إنه أمر لا جدال فيه: “كلما زاد وقت التعرض للشاشات، كلما آنخفض معدل الذكاء بسبب التأثير السلبي للشاشات على قُدرات التعبير اللغوي، التركيز و القدرة على الحفظ.”
و يُضيف الدكتور “ديمورجي” بأن الوقت الذي يقضيه الشخص على الشاشات يتم آقتطاعه من وقت النوم الذي يعتبر حيويا جدا للجسم.
كما أنه و من أجل نمو طبيعي سليم، يحتاج الأطفال إلى التحدث معهم لتمكينهم من التعبير عن أنفسهم. بالإضافة إلى ممارسة أنشطة مختلفة كقراءة القصص، والسماح لهم باللعب، الحركة ، الركض ، و القفز ، و حتى تجربة الشعور بالملل… لأن كل هذا مفيذ جداً للطفل. بينما ساعات السُّكون و التعرض المُفرِط للشاشات ينتج عنها ضرر مُتراكم فظيع جداًّ على الجوانب النفسية، العقلية و الجسدية أيضاً“.
ما العمل إذن ؟
هذه الظاهرة المُقلقة، أصبحت تشهد تفشيا واسعاً في السنوات الأخيرة. فمع الإنتشار الكبير للأجهزة الإيليكترونية و آنخفاض أسعارها أصبحت حتى الأُسَر ذات الذخل المحدود تتوفر على عدة أجهزة في البيت الواحد.
و لهذا، يُحذر الخُبراء من الأضرار الصامتة لهذه الأجهزة التي يغفل عنها أغلب الناس.
و إن كان التخلص من هذه الأجهزة أمرا بالغ الصعوبة في وقتنا هذا، فالدكتور “ديمورجي” يؤكد بأنه يمكن على الأقل التقليل من الأضرار الناتجة عن الإستعمال المُفرط للشاشات لدى الأطفال.
و يضيف الدكتور بأن هذا ممكن عن طريق تقليل الوقت الذي يقضيه الأطفال على الشاشات بشكل كبير.
لأنه “قبل سن 6 سنوات، لا توفر الشاشات أي فائذة تذكر للأطفال. و مع ذلك، يمكن السماح لهم بالتعرض لها لمدة تتراوح بين نصف ساعة إلى ساعة واحدة يوميًا كحد أقصى. و هذه المدة لن تترتب عنها أضرار كبيرة. لأن الأضرار الحقيقية تنتج بدءاً من إستعمال يومي من أربع ساعات.
و يبلغ الإستعمال اليومي للتعرض للشاشات عند الطفل الأوربي بين 4 إلى 7 ساعات يومياً. و هذا للإستعمال المُفرط مُقلقٌ جداً لأنه بكل بساطة يعني أن الطفل أثناء هذه الساعات منعزل عن العالم المُحيط به و بالتالي لا يُطور حواسَّه ولا مَداركه ولا مَهاراته في التعبير الحسي و الشفهي. و مع مُرور الوقت، ينتج عن هذا تراكم كبير و أضرار بالغة”.
دراسات كثيرة و نتائج مُتشابهة !
الدراسات التي شملت أضرار الإستعمال الكثيف للأجهزة الإيليكترونية خصوصا على الأطفال، كثيرة و متعددة. لكن، تتفق كلها على أن هذا الإستعمال مُدَمِّر جداً للصحة النفسية، العقلية و الجسدية أيضاً.
فبعض الدراسات وجدت إرتباطا واضحاً بين إضطرابات مثل العنف، العُدوانية و الإنطواء و الإستعمال المطوَّل للشاشات.
بينما أظهرت أبحاث أخرى -مثل المذكورة أعلاه- كيف يتسبب الإستعمال السيئ للأجهزة في التأثير السلبي خصوصا على الأطفال، ما ىؤدي إلى نقص معدل الذكاء و صُعوبات التعلم و ضُعف الذاكرة و التركيز.
هي إذن أضرار خطيرة لم تعد بحاجة إلى إتباث.
في المرة المُقبلة التي تعتقد فيها أن الحل الوحيد لإِسكات طفلك أو التخلص من إزعاجه لبعض الوقت، هو عبر منحه هاتفًا أو تابلت !
حينها، فكر بكل جِدٍّ في ما قد تُلحقه به من أضرار.